المساجد بيوت الله تعالى، ومن أحب الله تعالى أحب بيوته، وأكثر من زيارته فيها. قال تعالى:{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)} الجن.
والضيف إذا نزل بساحة الكرماء، و منازل العظماء، أصابه جودهم وفضلهم، ونال من أعطياتهم وغنم من إكرامهم، فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين، وحلّ على رب العالمين..؟
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:{ إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره} رواه أبو نعيم.
ولا شك أن أعظم هذه الكرامات، وأفضل هذه الأعطيات، أن يذيقه الله تعالى لذة قربه وحلاوة مناجاته، وأن يمنحه شهادة الإيمان.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى:{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. الآية} } . رواه الترمذي.
وفي منازل القيامة، وكربات مواقفها، وأهوال مشاهدها، يكون في ظل عرش الرحمن، آمنا مطمئنا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ـ وعد منهم ـ ورجل قلبه معلق بالمساجد} متفق عليه.
ثم يصله تعالى بنعمة الجنة، وما أعده له فيها من نعيم مقيم، وفضل عميم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ من غدا الى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح}. متفق عليه.
والمساجد ليست معابد تؤدى فيها طقوس العبادات، وحركات الصلوات فحسب، فالأرض كلها جعلت لأمة النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا وطهورا، وتصلح لأداء الأركان والواجبات، قال أبو ذر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال:"المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال:{ ثم المسجد الأقصى} قلت: كم بينهما؟ قال:{ أربعون عاما}. ثما قال:{ أينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد} رواه الجماعة.
ولكن المساجد بيوت الله يأوي اليها المسلم منقطعا عن صخب الحياة المادية، ومتحررا من قيود الهموم الدنيوية، فيجد فيها مراتع من رياض الجنة، ورياحين الفردوس..
فتارة في مجلس ذكر لله تعالى، وتلاوة القرآن الكريم يصل فيها الى صفاء الروح، ولقائها بخالقها، وصلتها بمصدر الخير والكمال، ونهلها من منبع الحكمة والمعرفة والإيمان..
وتارة في مجلس وعظ وإرشاد تتزكى فيه النفس من نقائصها، وتتطهر من رذائلها، وتتحلى بفضائلها ومكارم أخلاقها..
وتارة في مجلس علم وفقه في الدين تتفتح فيه آفاق العقل على عظمة التشريع، وتتنوّر دروب الحياة بهدي التعاليم الإلهية، فيتضح صراط الله المستقيم..
كل ذلك في مجتمع إيماني كريم، يشد بعضه أزر بعض، ويحقق فيه المؤمنون قوله تعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة 2. ويجنون من الثمرات ما ورد في الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:{ ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده} رواه مسلم.
وإذا كان حق الضيف إكرامه، فإن من واجبه معرفة قدر من يزور، والاستعداد لزيارته، والتأدب في حضرته بما يليق وجلال المزور وعظمته..
ومن الآداب الإسلامية لزيارة بيوت الله تبارك وتعالى نذكر منها ما يلي:
1»»> محبة المساجد وتقديرها، والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام، لأنها بيوت الله تعالى التي بنيت لذكره وعبادته، وتلاوة كتابه وأداء رسالته، ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه ولقائهم على مائدة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق..
قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
وقال سبحانه:{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} النور.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ المسجد بيت كل تقيّ وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط الى رضوان الله الى الجنة} رواه الطبراني والبزار.
2»»> العمل على إشادتها، والقيام بما يستطيع من جهد مادي أو جسدي لبنائها، وتشجيع الناس على التبرع لاستكمالها وتجهيزها بما يليق ومكانتها، وابتغاء وجه الله تعالى في كل ذلك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها ـ أي بقدر الموضع الذي يبيض فيه طائر القطاة ـ بنى الله له بيتا في الجنة} رواه أحمد وان حبان.
وعن أنس رضي الله عنه قال: من أسرج سراجا في مسجد لم تزل الملائكة وحملة المسجد يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد صوؤه.
3»»> المحافظة على ارتياد المساجد ولو كانت بعيدة عن منزله، والمشي إليها ولو تحمل في سبيل ذلك الحّر والبرد، وظلمة الليل ومشقة الطريق.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام} متفق عليه.
وعن أبي بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ بشّروا المشّائين في الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة} رواه أبو داود والترمذي.
وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت ****ا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرّني أن منزلي الى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي الى المسجد ورجوعي إذا رجعت الى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ قد جمع الله لك ذلك كله} رواه مسلم.
يتبععععععع