السلام عليكم ورحمة الله تعالى و يركاته
لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ
فقد قدَّر الله بحكمته أن يجعل من قلوب بعض بني آدم قلوب شياطين بدلاً من القلب الإنساني تبغض مَن فطر الله قلوب الخلق على محبته من الأنبياء والأولياء، وفي مقدمتهم خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين، وخير البرية أجمعين: محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليتحقق من وراء ذالك مصالح عظيمة لا تخطر ببال الكفار المجرمين.
- منها: أن يستخرج الله -عز وجل- من قلوب المؤمنين والمسلمين في الأرض ما تكنه لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من حب وتعظيم، واستعداد لفدائه بالأبدان والأرواح، والأولاد، والأموال؛ فهو أحب لديهم من أنفسهم وأهليهم وأولادهم.
- ومنها: أن يُظهر الله آيات قدرته في قطع شأن من أبغض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا من دلائل نبوته، قال -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) (الكوثر). (الأَبْتَرُ) أي: المقطوع. فلا بد أن يذل الله ويصغر من أبغض النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- ومنها: أن يَظهر لكل عاقل ومنصف عجز الكافرين عن مواجهة الحجة بالحجة، فلا يجدون سبيلاً إلا الكذب والبهتان، والبذاءة والسب، فيعلم كل واحد أن الذين كفروا حجتهم داحضة عند ربهم، وهذا من دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- وأسباب دخول الكافرين في ملته.
- ومنها: أن يجد المؤمنون الأسوة الحسنة لهم فيما يجدون من ألم وطعن، حتى أكرم الخلق عند الله يتعرضون للظلم والطغيان، والكذب عليهم ومحاولة تنفير الناس عنهم، وكل ذالك مآله إلى اضمحلال، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10).
- ومنها: حصول الخير الذي ذكره الله في قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:11)، فهو زيادة في رفع الدرجات عند الله، ومزيد الحسنات منه -تعالى-.
- ومنها: أن يخيف الله الكافرين والمنافقين، ويلقي الرعب في قلوبهم عند رؤيتهم غضبة المسلمين لنبيهم، وانتشار أن حكم السب والطعن في النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرضه وأذيته هو القتل، فيعذب الله هؤلاء المجرمين بالخوف والرعب، والهم والغم، وكراهية الناس لهم؛ حتى بني ملتهم بما جرُّوا عليهم من المخاطر وأنواع الفساد، ثم جعل الله ما أنفقوا من الأموال حسرة في قلوبهم؛ مصداق قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال:36).
لعل المسلمين في كل مكان أن يستغلوا هذه الفرصة في الدعوة إلى الله -عز وجل-، وبيان دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- للناس: مؤمنهم، وكافرهم، ونشر سنته وسيرته، فالقلوب مفتوحة الآن أكثر مما مضى لذلك.
ولكن لا بد هنا من وقفة؛ للتنبيه على أن غضبة المسلمين في كل مكان يجب أن تكون ملتزمة بالشرع حتى في هذا المقام؛ فلا يجوز قتل أو تدمير لمن لم يشارك أو يقر أو يرضى أو يمتدح مثل هذا الفعل الإجرامي، وقتل رسل الكفار عمومًا ولو كانوا مرتدين محرم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرسولي مسيلمة الكذاب وهما على دينه: (أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
فالدبلوماسيون الأجانب اليوم مثل رسل الكفار قديمًا، وقتلهم غير جائز شرعًا، ولا يجوز أن تتحول صور الاحتجاج إلى معارك بين المحتجين الغاضبين وبين قوات الأمن الوطنية المكلفة بحراسة السفارات، فالدولة لا تملك الآن غير حمايتها وفقًا للمعاهدات التي تلتزم الوفاء بها.
ولعل في هذه الحادثة ما يجمع قلوب المسلمين على حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه بعد ما فرقتهم أسباب الدنيا.
وعسى أن تكرهوا شيئًا، ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
_أمة الله_