لا أدري ماذا جرى ، في غمضة عين سقطت
في برميل هواها ، كانت أمامي طوال الوقت لسنين طويلة ولم أكن أكثرت لها إطلاقا ،
إلى أن جاء ذلك اليوم المشئوم ، كنت جالسا في رأس الدرب رفقة أوباش الحارة ، و
لمحت " الزوهرة " آتية من الحمام ، اختلست نظرة خاطفة لعينيها الواسعتين
مثل القمرين أو مثل خبزتين محشوتين بالسردين المعلب ، فإذا بقلبي يركض كالحمار و
يضطرب كأمواج البحر الأبيض المتوسط...
و أصبحت مدمنا على ملاحقتها وهي
ذاهبة إلى المدرسة الابتدائية ، عفوا بل أعني الثانوية ، و في أحد الأيام قررت أن
لا أكتفي بملاحقتها و أن أكلمها و أبوح لها بحبي الكبير ، وفعلا استجمعت شجاعتي و
استوقفتها قرب المزبلة الموجودة بجانب الثانوية ، و أخبرتها أني واقع في هواها و
أن صورتها لا تفارق خيالي حيث كنت أراها في أحلام النوم و اليقظة ، وقلت لها بأني
أراها في صحن البصارة و في قصعة الكسكس و حتى في كأس الشاي المنعنع ، تبدلت
ملامحها و ظهرت عليها علامة الغضب ثم انفجرت في وجهي مثل البركان: اغرب عن وجهي يا
وقح يا عديم التربية يا ربيب الأزقة ..
و في المساء ، جاءت والدتها عند أبي
واشتكت له من قلة حيائي ومن مضايقتي لابنتها الشريفة العفيفة ، وكانت ردة فعل أبي
عنيفة جدا ، حيث صفعني على وجهي حتى سقطت ممددا على الأرض ثم أخذ يركلني بوحشية ثم
طردني خارج البيت و قضيت الليلة في الشارع صحبة حارس السيارات ، أمضينا كل الوقت
في تدخين لفافات الحشيش و في السخرية من حبيبتي "الزوهرة " ومن أمها
البدينة التي حطمت الميزان عندما حاولت أن تعاين وزنها ذات يوم … في اليوم التالي
ذهبت مع أصحابي إلى أحد مقاهي الشيشة ، كنت مندمجا مع أغنية للعندليب الأصلع و
مستغرقا في التلذذ بدخان الشيشة ، وفجأة نظرت إلى الركن البعيد من المقهى و لمحت
حبيبتي " الزوهرة" جالسة صحبة بغل من بغال الحارة ، كان تلميذا في
الثانوية مشهورا بمعاقرة الخمر و بممارسة هواية السرقة في أوقات الفراغ ، كانت
جالسة بقربه تمسك الشيشة بطريقة المحترفين و تنفث الدخان من فمها و من منخريها ،
شعرت بالصدمة و خرجت مسرعا من المقهى و أنا أشعر بالغثيان ، لم أصدق أبدا أن هذه
هي حبيبتي الشريفة العفيفة الطاهرة العذراء ...
وذهبت إلى البيت وطلبت العفو من أبي
و وعدته بأني لن أكرر مثل هذه الحماقة بعد اليوم ... أغلقت على نفسي في غرفتي و
تمددت فوق " السداري " و أنا أستمع لأغنية " لا تكذبي " للعندليب
الأصلع ، عفوا بل أعني العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ، لأن العندليب الأصلع هو
الشاب بلال معشوق الأوباش في حارتنا اللعينة !.. منذ ذلك اليوم لم أقع في برميل
الحب مجددا و تبت توبة خالصة لله .