بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء التاسع و العشرون
(5)
وبعض آيات من
سورة القلم
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ
كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – 36
العدل سمة
شريعة الإسلام
إن حكمة الله تعالى تقتضي أن لا يجعل
المسلمين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره في كل معاملاتهم ، المتبعين لمرضاته
كالمجرمين الذين أسرفوا في المعاصي، والكفر بآياته، ومعاندة رسله، ومحاربة
أوليائه،
فالإسلام هو دين السلام الذي يفرض على أتباعه أعرق الأخلاق بجانب
تربية الضمير على الرقابة من الله تعالى في جميع الأحوال..
وبذلك تكتمل المنظومة
التشريعية للإسلام , شريعة متكاملة الأركان شاملة للمبادئ الأساسية في حياة البشر
فهي صالحة لكل زمان ومكان. وعقيدة تهيمن على قلب المسلم , فهو سوي السلوك أمام عيون
الناس أو منفردا - فالأمر في كلا الحالتين مشهود لله تعالى..
ولا تستوي تلك
المبادئ مع المجرم الذي لا يراعي أخلاق ولا عهد ولا ذمة , يلتزم مخافة العقاب ويظهر
لك جميل الأدب , فإن كانت السلطة في يديه ظلم العباد ونهب البلاد وأذاع الفساد تحت
مسميات الثقافة والأبداع,
قال تعالى في سورة البقرة:
وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ
عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ – 204 وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى
فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا
يُحِبُّ الْفَسَادَ – 205 وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ
بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ – 206
وقال
تعالى في سورة لقمان:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ
الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ – 6 وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى
مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - 7
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ - 8 خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – 9
عقاب الذين أجرموا
قال تعالى في سورة
النمل:
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ – 69 ﴾ فلا تجدون مجرما قد استمر على
إجرامه، إلا وعاقبته شر عاقبة وقد أحل الله به من الشر والعقوبة ما يليق
بحاله.
وقال تعالى في سورة السجدة:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ
الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ 22
أي: لا أحد أظلم، وأزيد تعديًا،
ممن ذكر بآيات ربه، التي أوصلها إليه ربه، الذي يريد تربيته، وتكميل نعمته على أيدي
رسله، تأمره، وتذكره مصالحه الدينية والدنيوية، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية،
التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم، والانقياد والشكر، فقابلها هذا الظالم
بضد ما ينبغي، فلم يؤمن بها، ولا اتبعها، بل أعرض عنها وتركها وراء ظهره، فهذا من
أكبر المجرمين، الذين يستحقون شديد النقمة، ولهذا قال: ﴿ إِنَّا
مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾
حال المجرمين يوم القيامة
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا - 49 الكهف
ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في
يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم،
ولا
يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة، فلا يُنقَص طائع من ثوابه، ولا يُزاد عاص في
عقابه....
*******
أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ
تَحْكُمُونَ – 36
وفي الحديث الشريف قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
تدرون من المسلم ؟ قالوا :
الله ورسوله أعلم. قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال : تدرون من المؤمن ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم ...قال : من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم والمهاجر
من هجر السوء فاجتنبه...
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص
...
- المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 11/137
إسناده
صحيح
*******
إن المتتبع لهذه السلسلة وقد قاربنا نهايتها يجد
الأخلاق الرفيعة والأداب السامية والمعاملات التي مبناها الصدق والعدل واتقان العمل
والشهامة في مساعدة الضعفاء والإنفاق على الفقراء والمساكين . والدفاع عن أوطانهم ,
والدعوة إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
هذا هو الإسلام الحق الذي يحقق
العزة والكرامة للإنسانية.
وليس لأي شخص- كان من كان يراد به تشويه الإسلام
بتصرفات منافية للدين العظيم – أن يكون حجة لمبادئ الإسلام..
ولكن الإسلام حجة
على الجميع..
*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى