بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء الثلاثون
(15)
وبعض آيات من سورة
الفجر
مصير الأمم
الطاغية
أَلَمْ تَرَ
كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ – 6 إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ – 7 الَّتِي لَمْ
يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ – 8 وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ
بِالْوَادِ – 9 وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ – 10 الَّذِينَ طَغَوْا فِي
الْبِلَادِ – 11 فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12 فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ
سَوْطَ عَذَابٍ – 13 إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ – 14
******
عاد
الأولى
وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى
الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم . . مصرع : " عاد إرم " وهي عاد الأولى . وقيل
: إنها من العرب العاربة أو البادية . وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال . في
جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن .
وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش ، فقد
كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها : " التي لم يخلق مثلها في البلاد "
في ذلك الأوان . .
وإضافة الفعل إلى " ربك " فيها للمؤمن طمأنينة وأنس
وراحة . وبخاصة أولئك الذين كانوا في مكة يعانون طغيان الطغاة ، وعسف الجبارين من
المشركين ، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد .
*******
ثمود
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ
بِالْوَادِ..
وكانت ثمود تسكن بالحجر في شمال الجزيرة العربية بين
المدينة والشام . وقد قطعت الصخر وشيدته قصورا ؛ كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات
. .
*******
الفراعنة
وَفِرْعَوْنَ
ذِي الْأَوْتَادِ – 10 الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11
فَأَكْثَرُوا
فِيهَا الْفَسَادَ – 12
( وَفِرْعَوْنَ ذِي
الْأَوْتَادِ ). . وهي على الأرجح الأهرامات التي تشبه الأوتاد الثابتة في
الأرض المتينة البنيان . وفرعون المشار إليه هنا هو فرعون موسى الطاغية الجبار .
هؤلاء هم ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12 ) . .
وليس وراء الطغيان إلا
الفساد . فالطغيان يفسد الطاغية ، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء . كما يفسد
العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة . ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف ،
المعمر الباني ، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال . .
إنه يجعل الطاغية أسير هواه ، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت ، ولا يقف عند
حد ظاهر ، فيفسد هو أول من يفسد ؛ ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد
المستخلف.
هكذا قال فرعون . . " أنا ربكم الأعلى " عندما أفسده طغيانه ، فتجاوز
به مكان العبد المخلوق ، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح ، وهو فساد أي فساد .
ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء ، مع السخط الدفين والحقد الكظيم ، فتتعطل
فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية ، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو
الحرية .
وبذلك تنشأ الشعوب المتخلفة أو شعوب العالم الثالث. وهذه الشعوب
لا تنظر إلى تطور أو إلى حضارة إلا إذا تحررت من الفساد والاستبداد وعرفت معنى
الحرية الحقيقي واحترام الإنسان أيا كان موقعه, فالإنسان كرمه الله تعالى وأسجد له
الملائكة وسخر له ما في السماوات والأرض.
والطغيان يحطم الموازين والقيم
والتصورات المستقيمة. التي أتت في شريعة الله تعالى لتنقذ البشرية من التخلف
والفقر..
والطغاة واهمون إذا ظنوا أنهم غير محاسبون سواء في الدنيا أو
الأخرة.
فلما أكثروا في الأرض الفساد ، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض منهم
...
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ – 13
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ – 14
فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم
. فلما أن كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب ، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين
يذكر السوط ، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب . حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية
، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد .
ومن وراء المصارع
كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان .
فمهما طال الليل لابد من فجر يطل بالأمل والنور والحرية.
وسميت هذه
السورة بالفجر للدلالة على أهميته للإنسان المؤمن المتطلع للحرية والعدل والحضارة
القائمة على حقوق الإنسان وصيانة كرامته التي كفلها الله تعالى لبني
أدم.
ومن قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ ) تفيض طمأنينة خاصة . فليطمئن بال المؤمن ، ولينم ملء
جفونه . فإن ربه بالمرصاد . . للطغيان والشر والفساد ...
( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ). يرى ويحسب ويحاسب
ويجازي ، وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم ولا يأخذ بظواهر الأمور لكن بحقائق
الأشياء . .
وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته . قال : ثم قرأ : (
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ
أَلِيمٌ شَدِيدٌ – 102 هود )..
الراوي: أبو موسى الأشعري
المحدث: البخاري
- المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4686
خلاصة حكم
المحدث: [صحيح]
******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله
تعالى