بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه
السلام)
وبعض آيات من سورة الأعراف
يَا بَنِي
آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ -
31
والخطاب لبني أدم لتذكيرهم بأبيهم , والنعيم في ظل
الطاعة لشريعة الله تعالى, والشقاء المترتب على المعصية...
جاء في تفسير
القرطبي المسمى ( أحكام القرآن ) : " قيل إن العرب في الجاهلية كانوا لا يأكلون
دسماً في أيام حجهم , ويكتفون باليسير من الطعام , ويطوفون عراة . فقيل لهم : (
خذوا زينتكم عند كل مسجد , وكلوا واشربوا , ولا تسرفوا ) أي لا تسرفوا في تحريم ما
لم يحرم عليكم " ..
والإسراف يكون بتجاوز الحد , كما قد يكون بتحريم
الحلال . كلاهما تجاوز للحد . هذا باعتبار , وذاك باعتبار .
ولا يكتفي
السياق بالدعوة إلى اتخاذ الزينة عند كل مسجد , وإلى الاستمتاع بالطيب من الطعام
والشراب . بل يستنكر تحريم هذه الزينة التي أخرجها الله لعباده , وتحريم الطيبات من
الرزق .
فمن المستنكر أن يحرم أحد - برأيه - ما أخرجه الله للناس من الزينة أو
من الطيبات . فتحريم شيء أو تحليله لا يكون إلا بشرع من الله تعالى..
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ,
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 32
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ –
33
يقول تعالى منكرا على من تعنت، وحرم ما أحل اللّه من
الطيبات ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي
أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ﴾ من أنواع اللباس على اختلاف أصنافه، والطيبات من
الرزق، من مأكل ومشرب بجميع أنواعه ، أي : مَن هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم
اللّه بها على العباد ، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسَّعه اللّه
؟".
وهذا التوسيع من اللّه لعباده بالطيبات، جعله لهم ليستعينوا به على
عبادته، فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين،
ولهذا قال: ﴿ قُلْ
هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
﴾ أي : لا تبعة عليهم فيها.
ومفهوم الآية أن من لم يؤمن باللّه، بل
استعان بها على معاصيه، فإنها غير خالصة له ولا مباحة، بل يعاقب عليها وعلى التنعم
بها، ويُسأل عن النعيم يوم القيامة.
﴿ كَذَلِكَ
نُفَصِّلُ الْآيَاتِ ﴾ أي : نوضحها ونبينها ﴿
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ لأنهم الذين ينتفعون بما فصله اللّه من الآيات،
ويعلمون أنها من عند اللّه، فيعقلونها ويفهمونها.
ثم ذكر المحرمات التي حرمها
اللّه في كل شريعة من الشرائع فقال : ﴿ قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ﴾ أي : الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح
لشناعتها وقبحها، وذلك كالزنا واللواط ونحوهما.
وقوله : ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ أي : الفواحش التي تتعلق
بحركات البدن، والتي تتعلق بحركات القلوب، كالكبر والعجب والرياء والنفاق، ونحو
ذلك، ﴿ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾
أي : الذنوب التي تؤثم وتوجب العقوبة في حقوق اللّه، والبغي على الناس في دمائهم
وأموالهم وأعراضهم، فدخل في هذا الذنوبُ المتعلقةُ بحق اللّه، والمتعلقةُ بحق
العباد.
﴿ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ أي : حجة، بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد.
والشركُ هو أن يشرك مع اللّه في عبادته أحد من الخلق، وربما دخل في هذا الشرك
الأصغر كالرياء والحلف بغير اللّه، ونحو ذلك.
﴿ وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ في أسمائه وصفاته وأفعاله
وشرعه.
فكل هذه قد حرمها اللّه، ونهى العباد عن تعاطيها، لما فيها من
المفاسد الخاصة والعامة، ولما فيها من الظلم والتجري على اللّه، والاستطالة على
عباد اللّه، وتغيير دين اللّه وشرعه. ( تفسير السعدي
)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ
اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ,
وهكذا ندرك أن الاختبار الذي تعرض له أبينا
أدم من النعيم في الجنة والتمتع بالإكل من كل ثمارها وتحريم شجرة واحدة , نموذج حي
لحياة البشرية على الأرض إلى قيام الساعة..وأن السعادة في الطاعة والشقاء في
المعصية..
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ
كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ -
31
********
دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى
لقاء قادم إن شاء الله تعالى