بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الحادي عشر
(1)
و بعض أيات من سورة
يونس
إن من أهم المبادئ التي أتى بها الإسلام مبدأ التدبر والعلم في كل ما
يحيط بنا سواء في الأرض أو في السماء , والبحث العلمي المبني على الأدلة هو منهج
الإسلام , وقد إعتمدت ذلك المنهج الأمم المتقدمة ماديا فوصلوا إلى ما نراه ونلمسه
من حضارة مادية ساعدت الإنسان في حركته على الأرض من تنقلات ومساكن وإتصالات ورفهية
,
ولكن المنهج الإسلامي كان أعمق بكثير من الحضارة المادية البحتة , حيث استوعب
تلك الحضارة وتجاوزها وجعلها طريقا للتقرب إلى رب العالمين , الذي وهبنا الحياة
وخلق لنا ما في السموات والأرض جميعا منه. وجعل كل ما حولنا مادة للتعلم , نتعلم
ولا ننسى الخالق لكل شئ. فتتحقق الساعدة بالتعلم في الدنيا و الأخرة .
ونستمع
إلى آيات الله تعالى :
هُوَ الَّذِي جَعَلَ
الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ
السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ
الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ -5 إِنَّ فِي اخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ -6
الله تعالى هو الذي جعل
الشمس ضياء, وجعل القمر نورًا, وقدَّر القمر منازل , فبالشمس تعرف الأيام , وبالقمر
تعرف الشهور والأعوام,
وهكذا بدوران الأرض حول محورها مرة كل يوم ينشأ الليل
والنهار.
وبدورانها مرة حول الشمس كل عام يتغير كل من طول الليل وطول النهار, و
تنشأ الفصول الأربعة ,
وهذه الآيات تدل على عظيم كماله وبديع صنعه جل وعلا ،
يفصل الآيات لقوم يعلمون , ومن هنا ندرك أهمية العلم ,
فإن العلم يهدي إلى
معرفة الدلالة فيها، وكيفية استنباط الدليل على أقرب وجه، والتقوى تحدث في القلب
الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، الناشئين عن الأدلة والبراهين، وعن العلم
واليقين.
وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة، دال على كمال قدرة
الله تعالى، وعلمه، وحياته، وقيوميته، وما فيها من الأحكام والإتقان والإبداع
والحسن، دال على كمال حكمة الله، وحسن خلقه وسعة علمه. وما فيها من أنواع المنافع
والمصالح - كجعل الشمس ضياء، والقمر نورا، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما
يحصل- يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه، وما فيها من
التخصيصات دال على مشيئة الله وإرادته النافذة.
وذلك دال على أنه وحده المعبود
والمحبوب المحمود، ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام، الذي لا تنبغي الرغبة
والرهبة إلا إليه، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له، لا لغيره من المخلوقات ، المفتقرات
إلى الله في جميع شئونها.
وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات
الله، والنظر فيها بعين الاعتبار، فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل،
وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك، تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان،
وجمود للذهن والقريحة.
قال تعالى:
وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ-
38
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيمِ - 39
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ
تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ -40 يس
وقد تأكد علميا في هذا العصر
أن الشمس تجري بمجموعتها بسرعات كبيرة حيث مستقرها بإذن الله تعالى.
وآية لهم
الشمس تجري لمستقر لها, قدَّره الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه, ذلك تقدير العزيز
الذي لا يغالَب, العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء.
والقمرَ آية في خلقه, حيث
دورانه حول الأرض في منازل محددة كل ليلة , لا الشَّمْسُ
يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ
النَّهَارِ
وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.
وهنا
إشارة إلى مدارات جميع أجرام السماء , وقد وضعت بإحكام ودقة متناهيه , بحيث أنك ترى
ملايين النجوم والكواكب والأقمار تجري بسرعات هائلة ولا يحدث بينها
تصادم.
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَّقُونَ -6
*******
وإلى بقية الجزء
إن شاء الله تعالى